Abstract:
عدم كفاية الأجور لمتطلبات المعيشة والفروق الواضحة والكبيرة في الأجور بين قطاعات المجتمع ومؤسساته العاملة، يمثلان مشكلة تؤرق المجتمع، ومع الخطوات المتسارعة نحو لبيرالية الاقتصاد وتوغل الفقر في مفاصل المجتمع تزداد أهمية المشكلة.
في الوقت الذي تعدى المفهوم الحديث لتعويضات العمل المادية مسألة مقابلة نفقات المعيشة إلى مفهوم الأمن الاقتصادي, يعانى العاملون في السودان من ضعف هذه التعويضات تجاه تكاليف المعيشة فضلاً عن التداعيات المترتبة عن الاختلافات الكبيرة في مستوى الأجور. لابد أذن من التساؤل عن نظام الأجور السائد وعن سياساته وعن الأسس والمعايير التي تحدد بها هذه الأجور، هذه وغيرها تصدت لها الدراسة وألقت الضوء على التعويضات الأساسية للقطاعين العام والخاص.
توصلت الدراسة إلى أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها أي سياسات أجور عادلة وفاعلة معطل العمل بها في السودان في الوقت الراهن، فهي إما معدومة وغائبة كلية مثل مبادئ الأجر المتساوي للعمل المتساوي والأجور المقارنة أو الإنتاجية أو غير قائمة على أسس صحيحة مثل مبدأ تكاليف المعيشة، وبالتالي الحد الأدنى للأجور أو نافدة الصلاحية مثل مبدأ تقويم الوظائف – الذي طبق قبل ربع قرن عن طريق مشروع تقويم وترتيب الوظائف في العام 1977م.
توصل البحث إلى صحة الفرضيات، وهي وجود اختلافات كبيرة بين أجور مؤسسات القطاع العام المختلفة، ونفس الشيء بين مؤسسات القطاع الخاص وبين القطاعين العام والخاص كفرضية ثالثة، كما تحقق البحث من صحة فرضية أن القطاع الخاص ما زال تابعاً للقطاع العام في شأن الأجور، أي ما زال القطاع العام هو الرائد في نظم وسياسات الأجور ويجاريه القطاع الخاص.
اكتشفت الدراسة أن الأجور في السودان ضعيفة جداً وتدهورت مقدرتها الشرائية بشكل كبير وأن أجور العاملين في القطاع العام أقل من زملائهم في القطاع الخاص في المتوسط، أي لم يعد القطاع العام يستحوذ على أعلى الأجور، وحتى متوسط جاذب للأجور، فقد تقدم عليه القطاع الخاص في حجم التعويضات المدفوعة, على الرغم من أن القطاع الخاص ما زال يتبع القطاع العام في نظام التعويضات, ولم يستطع حتى أن يفرز نظاماً خاصاً به.
وجد البحث أن درجة الاختلافات في المرتبات والأجور وصلت حد المفارقات الشاذة، ومرجع ذلك في القطاع العام إلى كثافة العلاوات والبدلات خارج الهيكل، والتي تتحصل عليها النقابات الفئوية والمهنية ذات النفوذ، كما يعود أيضاً إلى الصلاحيات التي منحت لمجالس إدارات الهيئات والمؤسسات والشركات العامة في شأن التوظيف والاستخدام بموجب ثلاثة قوانين صدرت كلها في العام 1996م لتسهيل عمليات خصخصة المؤسسات العامة.
إن تدهور الأجور يعود بشكل كبير إلى مفهوم مبدأ مقدرة المخدم على الدفع، فالمبدأ يستخدم دون أسس اقتصادية ومعايير علمية، فالحكومة تتمسك بمقدرة الدولة على الدفع دون أن تقدم أية مبررات موضوعية مقابل توصيات المجلس الأعلى للأجور بزيادة المرتبات، والمجلس بحكم التكوين والاختصاص والصلاحيات، جهة أقدر على متابعة الأرقام القياسية والتعرف على مقدرة الدولة، كما أن غياب سياسات الأجور الموضوعية لغياب الأسس والمعايير له أثر في هذا التدهور.
واجهت الباحث بعض الصعوبات، تمثلت في صعوبة الحصول على معلومات أو بيانات عن موضوع يعد حساساً جداً للجميع، وصعوبة أخرى تتعلق بمعالجة البيانات وتحليل الاستبيان، وقد تقدمت الدراسة بعدة توصيات لمعالجة الخلل وبناء نظام متكامل فاعل وعادل.