Abstract:
كوش جوهرة النوبة، لمؤلفته البروفسور ميريام ما آت –كـا- ري مونقز، هو أحدث عمل كتب عن الحضارة الإفريقية الكوشية النوبية عام 1997م.
ناقشت الكاتبة في الفصل الأول آراء جملة من العلماء من المشتغلين بالحضارة الإفريقية وأصل النوبة وموقعها في إفريقيا. يقرر أسانتي وهو عالم آثار بأن النوبة تقع جنوب مصر القديمة راسخة في إفريقيا، وفي النوبة تمتد من الأجزاء الأساسية للبدايات الأولى من عهد الأسرات في مصر. هذه الحضارة أساسية لإعادة ترتيب التاريخ الإفريقي. كما ناقشت الكاتبة أيضاً رؤية المؤرخين الأغاريق القدماء والمعاصرين النوبيين أن النوبة كانت تسمى "إثيوبيا" ، فإثيوبيا لم تسبق مصر القديمة في مضمار الحضارة فحسب ولكنها منحت فكرها وبناءها المادي لتابعها مصر. يربط الدراسون الغربيون مصر، وبشكل غريزي، بتاريخ الشرق الأدنى أو الشرق عموماً ويفصلونها عن قارة إفريقيا، ولكن الكاتبة ما آت كا تحدد أن النوبة قد رعت إرث السلف المصري وأعادت إلى الحياة عظمة مصر القديمة خلال الأسرة الخامسة والعشرين، كما رعت النوبة مصر بميزة موقعها بإعتبارها مركزاً تجارياً بين مصر وباقي أجزاء إفريقيا. لم تقم النوبة بقيادة مصر خلال فترات إضطرابها السياسي فحسب ولكنها علمت مصر دروساً عن حياة قادمة مليئة بالحيوية؛ وفي الحقيقة كانت النوبة "أما لمصر القديمة".
إن ممكلة كوش هو الإسم الذي أطلق على فترة من تاريخ النوبة، كانت لها عاصمتين متتاليتين، نبته ومروي، وهناك إتفاق عام أن كوش إمتدت من عام 900 إلى 350 ق. م. افترض عالم الآثار رايزنر أن أول الحكام على كوش كانوا ليبيين وان توليهم حكم مصر خلال الأسرة الخامسة والعشرين كان بسبب قرابتهم بفراعنة الأسرة 22 الليبية، ولكن معظم الدارسين يعتقدون أن فرضية رايزنر أن الملوك الكوشيين ليبيين إفتراض لا يمكن الدفاع عنه، إذ أن المملكة الكوشية، كانت تحكم بواسطة سكانها الأصليين في نفس المنطقة. لم يكن الباحثون على إتفاق تام حول حدود النوبة، ولكن آدمز (1981) يَعتبر أنها تمتد إلى الحدود الشمالية الغربية لإثيوبيا الحديثة، وهنالك خلط واضح فيما يخص موقع النوبة، وعموماً فإنه لا أحد في العصر الحديث تمكن من حسمها على مستوى يقنع الجميع.
في الفصل الثاني، فيما رصدت المؤلفة، أن الكتابات الحالية عن النوبة تديم الفشل في تحديد ممكلة كوش النوبية الإفريقية في إفريقيا. يحاول مايكل بتوسينكيل تحديد وضع النوبة بتصنيفها أنها "لا مصرية ولا إفريقية"، كما ناقشت ميريام ما ذهب إليه عالم الآثار كونا أنه يعطي النوبة الفضل في أنها الأولى فيما يسمى إفريقيا المدارية، في إنشاء مدن ودول رغم ما يعرف بالبيئة المتفردة. كما يميز كونا أيضاً بين مصر والنوبة كعوالم متطورة وأخرى متخلفة، وهي ممارسة مستمرة في أوساط الأوربيين في أي مقارنة بين إفريقيا والأقطار الغربية.
إنتقد الشيخ أنتا ديوب، وهو المتخصص في علم الإفريقانية، كونا عندما يرى في الصحراء عائقاً إذ أن هنالك شواهد عديدة لحيوانات وحياة نباتية خلفها قاطني الصحراء القدماء، وفي الحقيقة لا عائق أكثر من البحر الأبيض المتوسط. في هذا الفصل أيضاً، يقول إليوت سميث، المتخصص في أشكال وخصائص الجماجم، في نظريته عن "الدم الزنجي" المزعوم، اوضح في إفادته أن القليل من التشرب بالدم الزنجي يظهر نفسه مباشرة في تبلد الإحساس وقلة المبادرة. رُتّبت الفروق في الثقافة بين مصر والنوبيين وفق مقررات المركزية الأوربية في الحضارة والتقدم. واجه سميث تحديات لفرضيته، وتحديات أخرى لم يواجهها سميث وآخرون، تكمن في شهادة قدماء المصريين انفسهم، كتب عالم الآثار هيرمان جونكر عام 1920 مقالاً في مجلة الآثار المصرية، اوضح فيه أن إفريقيا قسمة متساوية بين ما يسمى بالزنوج وما يسمى بالحاميين ولكنه لا يُعرف ماذا يشكل الحامي، ولكن عالم الآثار بروس تريقر يكتب مُعرفاً أن الحاميين كانوا أناساً طوال القامة، رعاة خفيفي البشرة، وكانوا أفضل تسلحاً وسريعي البديهة أكثر من الزنوج الزراع السود.
خلاصة ما تقدم، فإن العلماء من منسوبي المركزية الأوربية لم يكونوا غير قادرين على كتابة التاريخ المقدس الذي يخص الكوشيين فقط، لأنهم زعموا أن كافة الإفريقيين يعدون خارج منظومة مصر القديمة. شرحت هذه العموميات الثقافية وحللت منطقياً وعلمياً بواسطة شيخ أنتا ديوب في كتابه: أصول الحضارة الإفريقية (1955-1974)، وطورت ووسعت في كتابه: حضارة أم بربرية (1991)، إذ يتحدث عن الملكية الإلهية والنسب والقرابة والتنظيم الإجتماعي والنظام الأمومي ورؤية الإفريقيين في نشأة الكون. عليه، فإن ديوب قد أعطانا حزمة من المعايير التي من خلالها يمكن تحليل الثقافات الإفريقية.