Abstract:
إن التربية من أهم جوانب الحياة البشرية, ولابد لها من أهداف وأساليب لتحقيقها، وإذا كان المربي الحق هو الله وحده لا شريك له في ربوبيته, فهو رب العالمين جميعا, فإن أحق من يستفاد منه التربية بعده هم رسله الذين اصطفاهم ورباهم على عينه بالكتاب والحكمة، كما رباهم بنعمه وفضله, ثم ورثتهم من بعدهم الذين تربوا على أيديهم, وتغذوا بعلومهم وأخلاقهم, ثم هكذا يتناقل هذه التربية الخلف عن السلف، وأحظى الناس بها أكثرهم اتباعا لها علما وعملا ودعوة.
ولهذا وقع اختيار الباحث على أساليب ابن تيميه التربوية، وهو ممن عاش فيما بين القرنين السابع والثامن الهجري، وهما من أقرب العصور شبها بالعصر الحاضر، وهو ـ أيضا ـ ممن اجتمعت فيه صفات المربي الحصيف الغيور على أمته ودينه, الذي كرس حياته منذ صغره على تعلم العلم وتعليمه والعمل به, والسعي لإصلاح مجتمعه بل والأمة، وتخليصها من الذل الذي أحاط بها, والتخلف الذي غشيها, مستخدما في ذلك أساليب تربوية حكيمة مقتبسة من مشكاة النبوة.
ولو لم يكن لابن تيمية من الآثار الإيجابية لتلك الأساليب إلا مدرسته التي تخرج منها تلامذة ملؤوا الدنيا علما وهدى لكفى بذلك حاجة إلى إجراء مثل هذه الدراسة ونحوها، فكيف إذا انضم إلى ذلك اهتمام كثير من دعاة الإصلاح والمربين في العالم بعلوم هذا الإمام والرجوع إليها كلما ضرب الأمة الجمود، علاوة على إبراز جهود علماء الأمة وعلومهم المباركة، وترسم خطاهم في ذلك، للمشاركة في إصلاح الأمة وتحقيق سعادتها الدنيوية والأخروية خصوصا في هذا المجال الهام, من خلال التعريف بالإمام ابن تيمية ونشأته وظروف عصره, ودوره الإصلاحي الذي قام به في مختلف الجوانب, والأساليب التربوية التي اتبعها لتزكية الجوانب العقلية، والجوانب التربوية والتعليمية، والجوانب الاجتماعية, والتي يظهر من خلالها تحقيقه لمفهوم التربية والمعاني التي يشتمل عليها كما ورد في الدراسة.
لقد استخدم الباحث في دراسته المنهج الوصفي, معتمدا على المصادر والمراجع الأصلية ما استطاع إلى ذلك سبيلا, وعلى تجربته الشخصية, وبعض ما كتب حول جوانب دراسته في الدراستين العربيتين السابقتين اللتين عرض لهما, لاستخلاص أهم الأساليب التربوية التي عنى بها الإمام في مجموع فتاويه في الجوانب الثلاثة، والمبادئ التي كان ينطلق منها في كل أساليبه وتصرفاته.
وفي الفصل الأخير قام بعرض النتائج التي توصل إليها، والتي كان من أهمها:
1 ـ نشأة ابن تيمية العلمية، وظروف عصره، وحبه للخير وكراهيته للشر، مع توفيق الله له، ساعده على صقل شخصيته، والصبر والمثابرة في سبيل الإصلاح العلمي والعملي.
2 ـ كان ابن تيمية يرى أنه لابد للتربية من مرب عالم عامل خبير بأحوال من يربيه، عامل على إصلاحه وتأديبه وتنمية قدراته في جميع الجوانب، شيئا فشيئا.
3 ـ لقد استخدم ابن تيمية أساليب تربوية حكيمة، مستنبطة من هدي النبي r وأصحابه؛ إذ كان يرى أن في اتباعهم غنية عن مخالفتهم وتلمس الهدى من غيرهم، بل ذلك عين الضلال، وكان من أكثر الأساليب التي أستعملها أساليب تغيير المنكر باللسان واليد والكتابة, وأساليب الحفاظ على العقل من كل ما من شأنه إضعافه أو انحرافه، وأساليب اجتماعية تدعوا إلى التعايش مع الناس بسلام ووئام، وتشجيع كل اجتماع على الخير والإصلاح، ودرء كل شر وفساد وظلم.
واختتم الباحث دراسته بعدد من التوصيات التي يأمل أن يستفيد منها المربون؛ كإبراز قائمة بعدد من الأساليب التربوية النبوية، أو تلك التي خلفها العلماء الربانيون، بما يناسب كل مادة دراسية أو موقف تربوي, والعناية بجهود علماء المسلمين والاشتغال بها والغوص في أعماقها، لاستنباط خيراتها, إلى غير ذلك مما سيجده القارئ في هذه الدراسة.