Abstract:
تعود فكرة هذه الدراسة مذ كان الباحث طالبا في( كلية التربية الأساسية) بدولة الكويت حيث كان يتوارد إلى ذهنه كيف يمكن القيام بدراسة تسهم في خدمة لغة القرآن و تجمع بين الأصالة والمعاصرة ارتكازا إلى أصول المعرفة التي تنطلق من الخبرة الإسلامية في المعايرة والنظر، سيما في مجال التربية وعلم النفس حيث تخصص الباحث؟. ومنذ تلك الفترة أخذ الباحث يجمع المراجع التي يعتقد أنها تعينه في هذا المجال، والاتجاه نحو بلورة الإحساس المجرد إلى خطوات عملية ملموسة فكانت أطروحة الماجستير حيث انطلقت من أسلوب الحوار في القرآن الكريم وتوظيفه طريقة للتدريس. واستكمالا لذلك تأتي هذه الدراسة عسى أن تحقق تلك الرغبة و بعضا من تلك الخواطر التي تحولت إلى مشكلة للبحث ضمن إشكالات وقضايا اللغة العربية من زاوية تربوية معاصرة.
وقد نمى لدى الباحث إحساس من خلال المتابعة والمعايشة بأن هناك مشكلة كبيرة تتعلق بإعداد وتدريب معلمي اللغة العربية بمرحلة التعليم الأساسي وحتى المرحلة الثانوية حيث يلاحظ التدني الكبير في مخرجات التعليم الأساسي، وحتى العالي منه،وربما يعود ذلك من وجهة نظر الباحث إلى مستوى تحصيل تلاميذ التعليم العام في مادة اللغة العربية، وهي قضية تستحق الدرس والبحث قبل غيرها فلربما أمكن التوصل إلى معرفة جزء من أسباب هذه الظاهرة من خلال البحث العلمي الذي ينطلق من أصول منهجية وعلمية. ولتحويل هذا الإحساس إلى برنامج عمل ممنهج رأى الباحث بأن الانطلاق من مفاهيم حركة تربية المعلمين القائمة على الكفايات يحقق المقصود إذ تهدف هذه الحركة ليكون التعليم مجوّدا ومتقنا ليحقق أهدافه بصورة ملموسة ومشاهدة مع الأخذ في الاعتبار متطلبات ورغبات المتعلمين. فالمعلم وفق مفاهيم هذه الحركة مسؤول مسؤولية مهنية وأخلاقية عن تحقيق نواتج تعلم محددة في المتعلمين.
وللوصول إلى تحقيق أهداف هذه الدراسة تمت صياغة مشكلة الدراسة في سؤال رئيس على النحو التالي: (ما البرنامج التدريبي المقترح الذي يمكن تصميمه لتطوير الكفايات التدريسية اللازم توافرها في معلمي اللغة العربية ومعلماتها بالحلقة الثالثة من مرحلة التعليم الأساسي في ولاية الخرطوم)؟. وقد تفرعت عن هذا السؤال جملة من الأسئلة البحثية الفرعية.
وكانت أولى الخطوات العملية بعد تحديد المشكلة اختيار المنهج البحثي الذي يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة من هذه الدراسة حيث وجد الباحث في المنهج الوصفي بغيته لوصف الظاهرة موضوع البحث في الإطار النظري والدراسات السابقة.أما الدراسة الميدانية فتمت معالجتها وفق البرنامج الإحصائي:(spss) وهو أسلوب تحليل إحصائي يستخدم في الدراسات الاجتماعية.
ولمّا كان الأخذ برأي الخبراء في المجال مما توجبه الدراسات العلمية فبعد أن أعد الباحث الاستبانة في صورتها المبدئية توجه بها إلى مجموعة من الخبراء لتحكيمها واستصحاب آرائهم حول مدى شمول الاستبانة وصلاحيتها لجمع المعلومات الميدانية اللازمة للدراسة. وقد تم تطوير الاستبانة بناء على توجيه و ملاحظات هؤلاء الخبراء المحكمين وغدت صالحة لتوزع على العينة المستهدفة بالدراسة حيث بلغت عبارات الاستبانة بعد التحكيم نحو :(108) عبارة موزعة في خمسة محاور رئيسة هي: ( الكفايات العلمية، الكفايات المهنية، الكفايات الشخصية، الكفايات الإنسانية، وكفايات التقويم) وتمثل الكفايات المهنية في هذه الدراسة نحو: (43.51%) من قائمة الكفايات التي تم تحديدها في هذه الدراسة وذلك لأهميتها القصوى من وجهة نظر الباحث.
ولمّا كان الهدف الرئيس من إعداد الاستبانة التعرف على وجهة نظر المعلمين في الميدان فقد تم اختيار ثلاث محليات من محليات الخرطوم السبع وهي: ( محلية الخرطوم، محلية أمدرمان، محلية شرق النيل) نظرا لأن مجتمع الدراسة الأصلي كبير نسيبا فقد أخذ الباحث عينة من المحليات الثلاث مكونة من:( 277) معلما ومعلمة وتمثل العينة المختارة نحو: (15.43%) من مجتمع الدراسة الأصلي وهي نسبة تحقق أغراض هذه الدراسة وتعطي صورة أقرب إلى الواقع المعيش. وقد تم تجزئة الاستبانة إلى محورين ريئسين : محور عني بالكشف عن مدى أهمية الكفايات الواردة في هذه الدراسة من وجهة نظر المعلمين، ومحور آخر عني بالكشف عن مدى الحاجة للتدريب على الكفايات نفسها من وجهة نظر المعلمين. ولمزيد من تدعيم إجابات المعلمين برأي الجهات المختصة في وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم و لمعرفة واقع تدريب المعلمين، ومدى توفر الكفايات التدريسية فيهم، أعد الباحث مجموعة من الأسئلة البحثية حيث قابل بعض مديري ومديرات المدارس التي تم توزيع الاستبانة فيها، كما أجرى مقابلات مع بعض مشرفي اللغة العربية في المناطق نفسها، وأخيرا ختم ذلك بمقابلة مع مسؤول التدريب في وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم.
أهم النتائج:
1/ تم تحديد قائمة بالكفايات التدريسية اللازم توافرها في معلمي اللغة العربية ومعلماتها وقد بلغت نحو:(108) كفاية موزعة في سبعة محاور.
2/ أكدت العينة المستطلعة آراؤها بأن الكفايات التي أعدتها هذه الدراسة هي كفايات مهمة جدا ومهمة من وجهة نظر معلمي اللغة العربية ومعلماتها الذين يدرسون هذه المادة بمرحلة التعليم الأساسي في ولاية الخرطوم.
3/ أكدت العينة المستطلعة آراؤها بأن الكفايات التي أعدتها هذه الدراسة الحاجة للتدريب عليها كبيرة جدا وكبيرة من وجهة نظر معلمي اللغة العربية ومعلماتها الذين يدرسون هذه المادة بمرحلة التعليم الأساسي في ولاية الخرطوم.
4/ من خلال المقابلات التي أجراها الباحث اتضح بأنه لا يوجد برنامج تدريبي محدد في ولاية الخرطوم لتدريب معلمي اللغة العربية، بل الموجود هو عبارة عن جرعات تدريبية، أو جرعات الضرورة والتمهين.
5/ كشفت الدراسة الميدانية بأن نسبة المعلمات اللواتي يدرسن بالحلقة الثالثة تعادل (56.7%) من إجمالي عينة الدراسة، وهي نسبة عالية خاصة في مدارس البنين في مثل هذه المرحلة العمرية من عمر التلاميذ حيث فترة المراهقة وما تشكله من ضغط على المعلمات، علما بأن عدد مدارس البنين والبنات التي وزعت فيها الاستبانة متعادلة، وهي ( 54 ) مدرسة لكل منهما.
6/ من حيث الخضوع للتدريب: كشفت نتائج الدراسة الميدانية ما يلي:
أ/ 5.4% من العينة من الذين يُدرّسون في الحلقة الثالثة لم يتلقوا أي دورة تدريبية في مجال اللغة العربية.
ب/ 13.7% من العينة تلقوا دورة واحدة فقط من دورات الضرورة والتمهين التي تقام بواسطة المحليات.
جـ/ 14.4% من العينة تلقوا دورتين من تلك الدورات.
د/ 3.6% من الذين يُدرّسون في هذه الحلقة هم من حملة الشهادة السودانية.
هـ/ 3.6% هم من أصحاب الخبرة دون الثلاث سنوات في مجال التدريس.
و/ 12.6% تتراوح خبرتهم ما بين:(3-5) سنوات في مجال التدريس.
ز/ (20.2%) تتراوح خبرتهم ما بين:(6- 10) سنوات في مجال التدريس.
7/ بناء على هذه النتائج تم تصميم برنامج تدريبي باستخدام تقنية التدريس المصغر وذلك لما يتمتع به من خصائص تجعل نتائج التدريب مضمونة وتحقق أهداف تعليم اللغة العربية بمرحلة الأساس حسبما تتوقع هذه الدراسة وتؤمل.
أهم التوصيات:
1/ إعادة النظر في طريقة تدريب معلمي مرحلة الأساس، وأن يكون التدريب مركزيا ولا يترك للمحليات لضمان الجودة وتوفر التمويل اللازم.
2/ الاهتمام بأنشطة القياس والتقويم و بالإحصاء التربوي من قبل الجهات المختصة في الوزارة.
3/ ترجمة قائمة الكفايات الواردة في هذه الدراسة على أرض الواقع بتبني الدورات التدريبية عبر خطط مدروسة.
4/ الاهتمام بالتعبير التحريري وتدريب المعلمين على ذلك.
5/ الاهتمام بالتدريب وإعادة التدريب لتحقيق نواتج تعليم تحقق أهداف التنمية في البلاد إذ لا تنمية بدون تعليم ولا تعليم بدون تدريب.
أهم المقترحات لدراسات مستقبلية:
ا/إجراء دراسة لتعرّف مشكلات التعبير التحريري في اللغة العربية في مرحلة التعليم الأساسي من وجهة نظر المعلمين.
ب/إجراء دراسة لتعرّف أسباب الضعف القرائي لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي.
جـ/إجراء دراسة لتعرّف دور الفكر وأثره في العملية التربوية لدى معلمي اللغة العربية ومعلماتها بالحلقة الثالثة من مرحلة التعليم الأساسي.
د/ إجراء دراسة لتعرّف كثرة العنصر النسوي في مرحلة التعليم الأساسي وأثره عليهن من الناحية التربوية والعملية.
هـ/ إجراء دراسة لتعرّف مدى تمكن معلمي اللغة العربية من كسب ثقة الناس من خلال تحبيب مادة اللغة العربية إليهم.
و من خلال ما ورد في هذه الدراسة يمكن القول بأنها تحتل مكانة من بين الدارسات المماثلة حيث عالجت موضوعا في غاية الأهمية ألا وهو الاهتمام بتدريب معلمي مادة اللغة العربية؛ ذلك أولا: لأن اللغة العربية ليست مجرد كلمات تلفظ بالشفتين، وإنما هي هوية الأمة وثقافتها، ومدى القدرة على التصدي لعوادي الاستلاب الحضاري والثقافي الذي تتعرض له الأمة من قلبها إلى أطرافها، وثانيا: لأن هذه المادة هي مدار التعليم وصلة الوصل بين كل المواد، وإن إتقانها والتفوق فيها يعني بالضرورة التفوق وإتقان بقية المواد، وإن الضعف فيها قد يكون عاملا من عوامل الضعف في المواد الأخرى. ويؤمل الباحث أن يجد محبو العربية ومعلموها بعضا مما يخفف عنهم غربة اللسان العربي في هذا الزمان الذي كثرت فيه العجمة والرطانات.