Abstract:
تتعاظم أهمية الإبداع بالنسبة للقطاعين العام والخاص تزامنا مع تصاعد المنافسة، واستمرار ثورة المعلومات والاتصالات، و"انفجار" ثورة تحسين الجودة، وتنامي مساهمة اقتصاد المعرفة في الناتج القومي الإجمالي للمجتمع وفي الاقتصاد العالمي. فقد نجحت وسائل خفض التكلفة وتقليص القوى العاملة، والتركيز على الجودة كعلاج خلال العقد السابق. بيد أن الإشكال يبرز – كما هو الحال الآن – عندما يصل خفض الإنفاق والقوى العاملة إلى الحد الأقصى، وعندما يحقق المنافسون نفس درجة الجودة. لذا تشتد الحاجة الآن للأفكار الجديدة التي تؤدي إلى وسائل أفضل لتحقيق الجودة وخفض التكلفة والتميُّز والتطوّر المستمر. وتلك الأفكار - التي تشكل ثروة من الفرص - لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الإبداع. وبذلك يتضح جليا أن الإبداع ليس أمرا ثانويا أو كماليا، بل هو أفضل الوسائل وأقلها تكلفة للحصول على القيمة المضافة من الموارد المتاحة.
على نفس الدرجة من الأهمية يأتي استخدام الإبداع بصورة جادة، وذلك من خلال التفكير الإبداعي الذي أصبح ممكنا عن طريق مهارات تشكل جهدا مقصودا ومنظما لتحقيق الإبداع، ويتم استخدامها حاليا بصورة واسعة على مستوى العالم من قبل كبريات الشركات والكثير من المنظمات الحكومية. وقد ثبت بالتجربة نجاح تلك الوسائل، والتي جعلت من الإبداع مهارة يمكن تعلمها وتطبيقها، وذلك خلافا للمفهوم السائد بأنه موهبة تولد مـع الفـرد أو مجـرد ضربة حظ.
ومما يدعـو للاستغراب أنه رغم كل ذلك يبدو أن منظمات القطـاع العام السـودانية لا تُعير هذا الأمر الاهتمام الكافي.
إن هذا البحث محاولة للوصول لأسباب عدم الاهتمام الكافي بالإبداع ومهارات التفكير الإبداعي في منظمات القطاع العام السودانية، ولتقديم مقترحات لحل هذا الإشكال من واقع نتائج الدراسة الميدانية. وتنبع أهمية البحث من الموضوع الذي يعالجه، والتوقيت الذي يتزامن مع عولمة التجارة وما يترتب عليها من منافسة حادة، والجهود الكبيرة لمختلف الدول لتهيئة المناخ الملائم للاستثمار بغرض جذب رؤوس الأموال نحو الاستثمار في مختلف مجالات الإنتاج والخدمات، وتنامي الاهتمام بمفهوم الحكومة الالكترونية، الذي يُعدُّ مشروعا عملاقا يعيد خلق الحكومة من جديد باتباع وسائل مبتكرة لأداء الأعمال عن طريق تطويع التقنية وتسخيرها لتنفيذ مهام الأجهزة الحكومية، ويحولها إلى مؤسسات اقتصادية تنافس القطاع الخاص في كل ما يتمتع به من مزايا تنافسية في مقدمتها الجودة والتميُّز وكسب رضا المستفيد. هذا فضلا عن الندرة الواضحة في الأدبيات التي تعالج الإبداع وعوائقه في منظمات القطاع العام في الدول العربية.
ومن حيث المنهجية، فلغرض تحليل البيانات استخدم الباحث التحليل الوصفي والإحصائي إضافة إلى الرسوم البيانية. وقد تم استخدام المتوسطات الحسابية لتحديد مدى وجود أو عدم وجود العوامل التي تشكل معوقاتٍ للإبداع في منظمـات القطاع العام التي يعمل بها أفراد العينة. كما تم استخدام اختبار (كروسكال والس) (Kruskal-Wallis)، لتحديد العلاقة بين تلك الأسباب وجهة عمل أفراد العينة، وبين تلك الأسـباب
- و –
والوظيفة التي يشغلها الفرد. كما تـم اسـتخدام اختبار (دنكن) (Duncan's Multiple Range Test) - وهو أحد مجموعة اختبارات تحليل التباين (أنوفا) (Analysis of Variance "ANOVA") – لتحليل درجات التفاوت في الوسط الحسابي لمعوقات الإبداع حسب جهات عمل أفراد العينة ومستوياتهم الوظيفية. وتمثلت المصادر الأولية في البيانات التي تم جمعها عن طريق الاستبانة، بينما تمثلت المصادر الثانوية في الكتب والدوريات والدراسات السابقة وأوراق العمل والإصدارات والتقارير وصفحات شبكة المعلومات "الإنترنت".
وقد توصل البحث للنتائج التالية:
- وجود عشرة (10) معوقات للإبداع في منظمات القطاع العام محل الدراسة؛ وهي: (المفاهيم الخاطئة حول الإبداع وحل المشكلات، والتمسك بالأنماط المألوفة، وغياب جو الحرية في المنظمة، والخوف من الفشل، وعدم التشجيع من المنظمة، وعدم مساندة العمل الجماعي من قبل المنظمة، وعدم التدريب على التفكير الإبداعي في أثناء الخدمة، وتكريس التقاليد وعدم السماح بالخروج عن المألوف ولو كان لغرض صحيح، والنظر لمن يحاول أن يكون مبدعا بشيء من التهكم، وأخيرا عدم تشجيع أو تنمية المناهج الدراسية وطرق تدريسها لملكة الإبداع).
- وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين درجة وجود ثمانية (8) معوقات ونوع الجهات التي يعمل بها الأفراد المبحوثون، هي "المفاهيم الخاطئة حول الإبداع وحل المشكلات" و"التمسك بالأنماط المألوفة"، و"غياب جو الحرية في المنظمة"، و"الخوف من الفشل"، و"عدم التشجيع من المنظمة"، و"عدم مساندة العمل الجماعي من قبل المنظمة"، و"عدم التدريب على التفكير الإبداعي في أثناء الخدمة"، و"النظر لمن يحاول أن يكون مبدعا بشيء من التهكم". بينما نفت الدراسة وجود تلك العلاقة في بقية المعوقات.
- وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين درجة أربعة (4) معوقات ومستوى الوظائف التي يشغلها الأفراد المبحوثون، وهي: "الخوف من الفشل"، و"عدم التشجيع من المنظمة"، و"عدم مساندة العمل الجماعي من قبل المنظمة"، و"عدم التدريب على التفكير الإبداعي في أثناء الخدمة". بينما نفت الدراسة وجود تلك العلاقة في حالة بقية المعوقات.
أما التوصيات التي تضمنها البحث فتتلخص فيما يلي، وحسب التفاصيل الواردة في الفصل الرابع (النتائج والتوصيات):
إزالة معوقات الإبداع في المنظمات الحكومية، سواء الناشئة عن الفرد أم البيئة التنظيمية أو الاجتماعية، وإيجاد بيئة وثقافة مشجعة على الإبداع، والتدريب على مهارات التفكير الإبداعي، والاهتمام بالمهارات الإدارية والشخصية الأخرى، وتوصيات بشأن دراسات مستقبلية، وتوصيات عامة.