Abstract:
إن الأصل في تقاليد الأمم استمرارها , خاصة إذا كانت هذه التقاليد شديدة الالتصاق بفنها أو دينها أو فلسفتها . ولما كانت هذه التقاليد ترسب وتنتكس في طريقها أحيانا كانت تثور في الوعي الجماعي بادرة الإصلاح والبعث فيجسد ذلك شخص أو شخصان أو جماعة تبلورت لديهم أسباب الابتعاد عن المثال الأول والنموذج الأكمل , فهؤلاء إصلاحيون بقدر ما ينجحون في استدعاء الأصل الأول .
اتخذ الإصلاح (الإرشاد) عند عبد الله الطيب في مرشده إطارين . إطار شخص فيه أسباب سوء الفهم إن كان في المفهوم الشعري أو المفهوم النقدي . وحينما ركن في ذلك بطريقة راعت أسباب القطيعة المعرفية - والتي دعت أصلا إلى الإرشاد - شَخَصَ في الإطار الثاني إلى تأصيل المفهوم الشعري والمفهوم النقدي أيضا . وكان وراء ذلك اطمئنانه إلي الأسباب التي جعلت الشعر العربي ينتكس .
أول ما نظر في أسباب سوء الفهم نظر إلى طبيعة الشعر , فرأى أن النقد العربي الذي عالج طبيعة الشعر كان قاصراً ، ولم يستطع أن يتوافر على اكتشاف العناصر الإبداعية في النص ، كذلك نظر في المعاني والالتزام ، وهون كثيرا من الالتزام الفني من قافية وبحور وأوزان وما إلي ذلك , بل خلص إلي أن هذه الالتزامات هي أجنحة الشعر العربي .
ويستمر في طرح أفكاره بملاحظة إن هناك قصورا فيما يقدم للمتلقي وإلا لما حدث ما يدعو للإرشاد .
في حديثه عن بواعث الشعر خرج عن عباءة النقاد ، وفي إصراره على انجاز قاموسه نتبين إلي أي مدى يتحدى , ولم لا ؟ وقد رأى أن ما قدم لم ينقذ النقد والشعر من القطيعة المعرفية وفساد الذوق .
تعرض للمفاهيم النقدية كالصدق والسرقة والوحدة تعرضاً كان جانب الإرشاد فيه كبيراً. فالسرقه تضاف لرصيد الشاعر ، والسرقة طريقٌ للاستحقاقات في معراض الدفاع عن هوية الإنسان العربي , والوحدة يكتشف لها عناصر جديدة .
وفي الإطار التأصيلي . وبعد أن اطمأن إلى ما قدم من تبسيط وتأويل وتصحيح ؛ رأى أن الوقت مناسب إلي الإصلاح والإرشاد من زاوية معرفة الحقوق وردها إلي حيزها الأصيل : الثقافة العربية والنقد والشعر العربيين .
وكل هذا قدمنا إليه بتحليل شخصيه عبد الله الطيب رأينا حياته على ضوء هذا التحليل قد نمتها ثلاث مؤسسات شديدة الوثوق بمرجعيتها وتقاليدها ، وحينما رمت به هذه المؤسسات الثلاث ؛ واجه أصعب وأشق اختبار : مشكلة وصل الانقطاع المعرفي وفساد الذوق . على أن شخصيته إذ ذاك لم تخذله بل أسعفته حتى عبر بنجاح .