Abstract:
من المعروف أنّ الفن الروائي نشأ، في الأصل، أرستقراطيًا، فلم يكن معنيًا، في المقام الأول، بهموم الإنسان العادي ومشكلاته التي يواجهها في حياته والتحديات التي يتوجب عليه أن يتغلب عليها كيما يتمكن من بلوغ الحياة الكريمة الهانئة. لكن الوضع لم يبقَ كذلك، فسرعان ما وجد ذلك كله طريقه إلى الرواية، وصارت الرواية تعكس الحياة الواقعية للبشر، مهما كانت مستوياتهم الطبقية والاجتماعية، ناقلةً كل ما يكتنف هذه الحياة من مشكلات وصعوبات.
لقد عُرف عبد الرحمن منيف بقدرته على جعل فنه الروائي لصيقًا بحياة الإنسان العربي المعاصر، متناولًا آلامه وآماله، كاشفًا في صراحة كاوية ووضوح دامٍ عن الحالة المأساوية التي يرزح تحتها، باحثًا عن بصيص من نور وسط كل الظلمات التي أحاطت به من كل ناحية. وروايته "شرق المتوسط" واحدة من أبرز رواياته في هذا المجال، إن لم تكن أبرزها على الإطلاق. تحاول هذه الدراسة أن تقارب الرواية المذكورة من منظور فني يسعى إلى دراسة عمقها الفكري بما يتضمنه من تجربة إنسانية مريرة ممتزجة بأبعاد متنوعة نفسية واجتماعية وسياسية وثقافية، رابطةً ذلك كله بالوسائل الفنية التي كانت الأدوات التي أعطت الروايةَ خصوصيتها وتميّزها، لا سيما ما يتعلق بالإيقاع الداخلي للشخصيات الرئيسة، وأثره في البنية العامة للرواية كلها.