Abstract:
بداية هذا البحث كانت بتمهيد ، تناولت فيه ضروبا من علاقات النظم القرآني ، وهو باب قد تناوله القدماء تحت مسمى " علم المناسبة " حيث كان مبحثهم عن تناسب فواتح الآي وخواتيمها ، كما تناولوا كذلك تناسب السور بعضها ببعض ، ووجوه الترابط بين الجمل . أما جمل الفواصل فقد ذكروها ضمن أبحاث التمكين ، والتوشيح ، والترشيح ، والإيغال . ولم يتقدم المحدثون خطوة واحدة في هذا المجال ، واكتفوا بإيراد ما ذكره القدماء .
اشتمل البحث علي خمسة أبواب :
الأول : الفاصلة القرآنية .
الثاني : الفاصلة تاريخيا .
الثالث : الإعجاز في الفاصلة القرآنية .
الرابع : علاقة الفاصلة بما قبلها .
الخامس : أثر الفاصلة النفسي وقيمها التربوية .
" الفاصلة القرآنية " عنوان الباب الأول ، وهو مقسم إلى : ثلاثة فصول ، تناولت الباحثة في الفصل الأول منه ، الفاصلة في كثير من معاجم اللغة ، فاختارت أكثرها شيوعا واستخداما ، لبيان مدلولها الاصطلاحي واللغوي ، ثمّ أعقبته بفصل رصدت فيه الفاصلة في كتاب الله العزيز ، مع بيان لدلالاتها في بعض كتب التفسير ، أما الفصل الثالث فقد ذكرت فيه آراء القائلين بالسجع ، كما ذكرت آراء معارضيهم ، حيث كان الهدف حسم خلاف الفرقاء .
جاء الباب الثاني تحت مسمى " الفاصلة تاريخيا " وهو من فصلين ، يسبقهما تمهيد أكدت فيه الباحثة على الأصل العربي لمصطلح الفاصلة ، كما بينت أنها معروفة منذ القدم ، ولكن ربما كانت بدلالات مختلفة. جاء الفصل لأول عن جهود القدماء في أبحاث الفاصلة ، حيث بينت أنها قد عرفت كدلالة على أواخر الآيات بظهور كتاب " معاني القرآن " ، كما ذكرت جهود الكثير من العلماء الذين تناولوا الفاصلة ضمن أبحاثهم . من بين هؤلاء كان الزمخشري ، الذي اختلفت أبحاثه عن سابقيه ؛ وذلك لأن المبدأ الغالب علي جهوده التفسيرية ، هو تبيين ما في القرآن من الثروة البلاغية التي كان لها كبير الأثر في عجز العرب عن معارضته . كما أن الكثير من المفسرين – حتى من معارضيه من أهل السنة وغيرهم - قد استفادوا من جهوده .
الفصل الثاني قدمت فيه جهود المحدثين في الفاصلة ، حيث كانت هذه الجهود متمثلة في :
1- الكتب التي أفردت للفاصلة ، فعرضت محتوى كل كتاب مع بيان رأي الباحثة فيما قدم .
2- تناول الفاصلة من خلال موضوعات أخر ، وقد كانت المحاولات كثيرة ؛ إذ إن كل من تحدث عن إعجاز القرآن ، تناول الفاصلة . من هذه الإسهامات ما هو جيد متميز ، كالذي قدمه الرافعي وكذلك ما جاء به سيد قطب . وكثرت الأقلام التي تحدثت عنها ، ولكن معظمها كان متكئا على ما قدم السابقون .
الباب الثالث : موضوعه " الإعجاز في الفاصلة القرآنية " ، وهو يشتمل على فصلين أيضا ، الأول : عن إعجاز القرآن الكريم ، قُدم له بتمهيد عن مفهوم العجز وأصله اللغوي ، ثم عرضت بعض إسهامات من تناولوا إعجاز القرآن ، خاصة أولئك الذين كان حظ الفاصلة في أبحاثهم أوفر .
الفصل الثاني : وهو بعنوان " بعض وجوه الإعجاز في الفاصلة " وقبل بيان هذه الوجوه ، كان لابدّ من توضيح ما تميزت به الفواصل من خواص انفردت بها . أولى الوجوه التي أرادت الباحثة أن تبرز من خلالها إعجاز الفاصلة ، كان الحذف ؛ وذلك لدقة مسلكه وعظيم فوائده ، فأتت ببعض التعليلات المعنوية التي لأجلها - ربما - كان . كذلك بينت الحروف التي تحذف في جمل الفواصل .
زيادة بعض الحروف في جمل الفواصل من الوجوه التي ذكرها البعض وأنكرها آخرون ؛ بحجة أن لا زيادة في القرآن ، وإنما الذي يخيل للبعض أنها زيادة ، إنما هي توكيد . من معجزات القرآن – والفواصل منه – ما ذكره البعض وأطلق عليه اسم " الوجوه والنظائر " فقد قيل إن الوجوه تختص بالمعاني ، وأما النظائر فهي التعدد في الألفاظ الدالة على معنى واحد .
مرتكز البحث كان حول علاقة الفاصلة بما قبلها ، وهو موضوع الباب الرابع الذي جاء الفصل الأول منه ، عن العلاقات والترابط المعنوي في القرآن الكريم ، فكتاب الله العزيز مترابط الأجزاء والمعاني ، فكل حرف فيه يستند إلى الآخر ويؤاتي بعضه بعضا ، كما أن كل آية منه تناسب الأخرى في النظم والطريقة . بل إن الحرف الواحد من القرآن معجز في موضعه ؛ لأنه يمسك الكلمة التي هو فيها ليمسك بها الآية والآيات الكثيرة ، وهذا هو السر في إعجاز جملته إعجازا أبديا . وضمن مفردات القرآن ، كانت الفاصلة التي بها يتم الائتلاف والترابط .
تتمثل وجوه الائتلاف التي ذكرها العلماء التمكين ، وهو الذي ذكر له العلماء الكثير من الأمثلة، أما التصدير والتوشيح فقد ميز العلماء بينهما مع التمثيل لكل منهما ، وذكروا كذلك أمثلة للإيغال . ولما كانت معظم أواخر الآيات جملا تامة ، كان من الضروري الحديث عن جمل الفواصل ، ومن ثمّ بيان ارتباط هذه الجمل بما قبلها ، مع التمييز بين هذه الجمل ، الاسمية منها والفعلية .
الفصل الثاني من الباب الرابع ، كان عن وجوه الترابط بين جملة الفاصلة وما قبلها ، ولبيان هذه الوجوه استندت الباحثة على المحاولات السابقة في ذات المجال ، وعلى تحليلها الخاص . ولكن كان لابد من الفصل بين هذه العلاقات .
قسمت هذه العلاقات إلى علاقات داخلية ، وأخرى خارجية .
كانت مباحث العلاقات الداخلية تندرج تحت قسمين :
1 – علاقات واضحة : حيث بينت الباحثة ارتباط الفاصلة بما قبلها من خلال :
- التقديم والتأخير
- التكرار
- الاعتراض
- البدل
- التفسير
2 – علاقات غير واضحة أي ( تحتاج إلى تأمل وتدبر ) وتمثلت في الارتباط من خلال :
- الوصل والفصل
- التنظير
- المضادة
- الاستطراد
- التخلص
ولقد فصلت الباحثة القول في كثير من تلك الوجوه وصولا لدلالة الارتباط وما فيه من نكت طريفة ، ومقاصد تكشف عن نفسها في أحايين كثيرة .
ليس المقصود بالعلاقات الخارجية ضعف الصلة والارتباط ، فهي ذات تأثير مباشر في بيان وجوه الارتباط ونتائجه . ففي الكشف عن سبب نزول الآية بسط وتوضيح لنوع العلاقة ، أما عن مبحث الفاصلة في كتب التفسير فقد جاء يحمل أسفار المفسرين على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم .
الباب الأخير : أثر الفاصلة النفسي وقيمتها التربوية ، فعنوان الباب يبرز منحاه . كان الفصل الأول عن التأثير النفسي للفاصلة حيث أن دلالة ألفاظها لها أثر نفسي بعيد المدى ؛ خاصة إذا علم أن جلها أسماء وصفات للواحد الأحد . تتناسب ألفاظها ومعانيها لتحدث آثارا نفسية نتيجة هذا التناغم والتلاحم ، أما حركة ألفاظها وتناسبها وموضوعها . فإن الذي لا يستطيع تجاهله السامع هو ذاك الجرس الموسيقي المنبعث مميزات ما ختمت به . سبق ذلك كله ببيان لوصف القرآن للقرآن .
القيمة التربوية للفاصلة ، كان موضوع الفصل الثاني من الباب الأخير ، وهي قيم تعالجها الفاصلة . في البدء كانت دلالة تربية مثاقبة لمعناها ، بعد ذلك كان المبحث خاصا بأهداف التربية الإسلامية ، حيث إن الكتاب العزيز أعظم مصدر للتربية .
إن في ارتباط الفاصلة بما قبلها قيم تربوية تتكشف للباحث المتأمل . كل ذلك كان ضمن مباحث هذا الفصل ، وفيه أيضا بيان ببعض الدلالات التي تحمل في سياقها تحذيرا وتنبيها قد يحسبه المتعجل ليس ذا قيمة في المجال التربوي ، ولكن هو من صميم التربية القرآنية .
تلك كانت موضوعات هذا البحث ، والذي نأمل أن يكون منطلقا لأبحاث أخر تعالج قضايا تهم المجتمع الإسلامي والمسلمين ، ولقد كانت بعض الموضوعات تحتاج إلى طرح أوفى وتناول أشمل من خلال بحوث خاصة بكثير من الموضوعات التي طرحت