Abstract:
إنّ الباعث لدراسة هذا الموضوع هو إبراز الرومانسية كفن أدبي جديد، أخذ يتشكّل في نهاية القرن الثامن عشر، بعد ثورته على الكلاسيكية، وتحطيم منهجها القائم أساساً على العقل، وتركيزه على القلب الذي هو منبع الإلهام.
وبالتالي أخذت الرومانسية تعالج أموراً مختلفة بقالب جديد متطور، بعد أن استبدلت المدارس الشعرية المنهج الكلاسيكي، وثارت على قوالبه ونهجه القديم.
وكان من أبرز الشعراء الرومانسيين المجددين، مدام دي ستال، وفيكتورهيجو وجان جاك روسو في فرنسا، ووليام وورد سورث، وجون كيتس، وشيللي في إنجلترا، وغوته وشيلر في ألمانيا.
وقد توّجت الحركة الرومانسية العاطفة والشعور بدلاً من سلطان العقل، وطرقت موضوعات جديدة لم تكن مألوفة في المنهج الكلاسيكي الذي سبقها، ومن أبرز هذه الموضوعات: الغناء للطبيعة، والبحث عن مواطن الجمال، والإبحار في عالم الطفولة والذكريات والحنين والحزن والألم وموضوعات أخرى شتّى.
وليس من شك في أن الموقع الجغرافي للوطن العربي وبخاصة منطقة الخليج تجعله مركزاً لالتقاء الشرق بالغرب الأوروبي، وتأثره بشكل مباشر بهذه التغيرات والتطورات على الساحة الأدبية والشعرية، ولعل السبب المباشر في انتشار التيار الرومانسي في الأدب العربي الحديث راجع إلى هجرة كثير من الأدباء العرب إلى أوروبا، وهناك أسباب أخرى ممثلة في سفر البعثات العربية إلى أوروبا لطلب العلم، كذلك الاهتمام بالحركة التعليمية بجميع أشكالها في المدارس الحكومية والإلزامية والمدارس الأهلية.
كذلك ازدهار حركة الترجمة للنصوص الأدبية الغربية في الشعر والقصة، وكان الاحتفال بتعلّم اللغات الأجنبية منذ أوائل القرن التاسع عشر قد بدأ يؤتي ثماره، وأصبحت السُبل ميسورة أمام الطامحين إلى الاطلاع على الآداب الغربية في مصادرها الأولى ينتقون منها ما يوافق مزاجهم النفسي وطبيعة النقلة الحضارية التي يجتازها مجتمعهم فلم يحفلوا كثيراً بآثار الاتجاه الواقعي الذي كان قد بدأ يسود الأدب الأوروبي منذ منتصف القرن التاسع عشر، بل تخطوه عائدين إلى آثار النصف الأول من ذلك القرن، حيث ازدهرت الرومانسية، وأثمرت تراثاً بديعاً من الشعر والقصة، وأعلاماً خالدين من الشعراء من أمثال: ووردسورث وكولردج وبيرون وشيللي وهيجو ولامرتين وموسيه وغيرهم.
وبرزت في الأدب العربي عدة مدارس ذات اتجاهات رومانسية منها: المدرسة الرومانسية بقيادة خليل مطران، ومدرسة الديوان والتي تمثلت في الشاعر عبدالرحمن شكري وعباس محمود العقاد وإبراهيم المازني، ومدرسة أبوللو التي نشأت عقب مدرسة الديوان وضّمت نخبة من الشعراء البارزين منهم: علي محمود طه، وإبراهيم ناجي، وأبوالقاسم الشابي، ومدرسة المهجر والتي تمثلّت بالشعراء جبران خليل جبران، وإيليا أبوماضي وميخائيل نعيمة وغيرهم.
لقد اتضحت معالم الرومانسية في الخليج بصورة خاصة في تصوير مأساة الإنسان في مراحل انتقاله في الحياة، كما أنها طوّرت الوجدان الفردي، وساعدت على طغيان شعور الغربة والضياع نتيجة التسارع والتنافس على الماديات في ظل الحياة الجديدة الروتينية.
ويمكن اعتبار عام 1950م بداية الحركة الشعرية الحديثة في دولة الإمارات، بظهور شعراء مجددين أمثال: صقر بن سلطان القاسمي، وسلطان بن علي العويس، وأحمد أمين المدني، أما قبل ذلك فكان الشعر أقرب إلى المحافظة والتقليد، أما الشعراء المعاصرون فهم: مانع سعيد العتيبة، وحبيب الصايغ، وعارف الخاجة، وكريم معتوق، وسيف المري، وأحمد راشد سعيدان وغيرهم.
وقد اخترنا من بين شعراء الإمارات الشاعر المعروف الدكتور مانع سعيد العتيبة؛ لما لمسنا في شعره من تغطية واسعة لشتّى موضوعات الرومانسية، كالحنين والذكريات والحزن والألم والفراق، والغزل، والتغني بالطبيعة وإبراز مفاتنها وجمالها.
بالإضافة إلى طرحه للعديد من الموضوعات الحيوية التي تمسُّ وجود الإنسان العربي على أرضه، مثل الوحدة والتضامن، ولم الشمل العربي، فهو من أكثر الشعراء تصدّياً لمثل هذه القضايا، وعبّر عنها بحس صادق وعاطفة نابعة من القلب تعبّر عن أحزانه لمصير وطنه وقومه، وألمه لما يشهد من فرقتهم وضعف شأنهم.
فنراه يستثير حميَّة بني وطنه بالنقد اللاذع أحياناً، وبالأسى العميق أحياناً أخرى.
وهكذا سرت في القصيدة العربية نزعة الغناء الحزين، ودّبت في النص الشعري الروح الشاعرة المعبرة عن الحنين والذكريات والقلق، وبفعل هذا الحديث المكثف عن النفس صارت "الأنا" محوراً قائماً بذاته لدى شعراء الرومانسية العرب.
وبذلك نجد أن الرومانسية العربية لم تكن هرباً. من الواقع شكلاً ومضموناً، أو ثورية بل جاءت تمثل التعبير عن وجهة نظر شعرائها بمضمون إنساني، تقف جنباً إلى جنب مع المجتمع، وبناء مستقبله بتفاؤل، وتدعم حرية الإنسان، إضافة إلى تصوّر ديني تشاركه العاطفة الذاتية والجماعية.
وأن ثمّة التقاء بين الشعراء في الإمارات في تركيزهم على الذات، وفي عرض الآراء والمواقف مثلاً: المرأة والطبيعة على تفاوت في درجة التعبير والعاطفة.
لقد تدفقت في شعر الإمارات معانٍ عاطفية تنمُّ عن تجارب ذاتية إنسانية تضيء أدب الإمارات، وتستوجب من الباحثين الإبحار في هذا الأدب، والبحث في كنوزه المكنونة.