Abstract:
الحمد لله رب العالمين، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين وحجته على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمد الذي كانت معجزته القرآن، وكان إمامه القرآن، وكان خلقه القرآن، وكان ربيع صدره، ونور قلبه، وجلاء حزنه القرآن. وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وأتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، وعلى كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
،، أما بعد ،،
فقد أكرمنا ربنا – نحن المسلمين – بخير كتاب أنزل، كما أكرمنا بخير رسول أرسل، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُون) فنحن المسلمين – وحدنا - الذين نملك الوثيقة السماوية الكاملة، التي تحمل كلمات الله الأخيرة لهداية البشرية المحفوظة من كل تبديل أو تحريف لفظي أو معني، وذلك لأن الله تعالى تكفل بحفظ هذا الكتاب، ولم يكله إلى أحد من خلقه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ولا يوجد في الدنيا كتاب ديني أو دنيوي حفظ من التحريف والتبديل، كما حفظ هذا القرآن، وأن أحدا لا يستطيع أن يزيد فيه حرفا أو يخرم منه حرفا.
آياته تتلى وتسمع وتحفظ وتشرح، كما أنزلها الله على محمد خير البشر (ص) بواسطة الروح الأمين. ولقد اشتمل على مائة وأربع عشرة سورة (114) ابتدأت كلها بالبسلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) إلا سورة واحدة منها: سورة التوبة، فجاءت خالية منها، فلم يجترئ أحد أن يزيد هذه البسلمة في مطلع السورة لا خطا ولا لفظا، لأنه لا مجال للرأي في القرآن. ولقد بلغ من اهتمام المسلمين بالقرآن أن عدوا آياته – بل كلماته، بل حروفه، فكيف يستطيع امرؤ أن يزيد أو ينقص في كتاب أحصيت كلمته وحروفه؟!
ولم يعرف في الدنيا كتاب يحفظه الألوف وعشرات الألوف عن ظهر قلب، إلا القرآن الذي يسره الله للذكر والحفظ. فلا عجب أن نجد من الرجال والنساء من جمعه في قلبه ووعاه... كما حفظه كثير من صبيان المسلمين، لا يضيعون منه حرفا، وكذلك كثير من الأعاجم، لا يسقطون منه كلمة واحدة، وأحدهم لو سألته بالعربية عن اسمه لم يجبك؟! فهو يحفظ كتاب ربه تعبدا وتقربا إليه سبحانه، وإن لم يفهم ما يقرأ ويحفظ، لأنه بغير لغته. ولم تحفظ معاني القرآن وكلماته وألفاظه فحسب، بل طريقة أدائه ومخارج حروفه، وما ينبغي لها من مد وغن، وإظهار وإدغام، وإخفاء وإقلاب، وهو ما قام به علم خاص سمي علم (تجويد القرآن).
أنزل إليه هذا القرآن ليهدي البشرية إلى أفضل غاية، وإلى أقوم طريق (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وقوله تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .
فالقرآن هو نور من الله لعباده إلى جوار نور الفطرة والعقل (نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) ومن خصائص النور: أنه بين في نفسه، مبين لغيره، فهو يكشف الغوامض، ويوضح الحقائق، ويدحض الأباطيل، ويدفع الشبهات، ويهدي الحائرين إذا التبس عليهم السبيل أو عدم لديهم الدليل، ويزيد الذين اهتدوا هدى.
ولهذا القرآن – كما أنزله الله – خصائص تميزه عن غيره، فهو كتاب إلهي، وهو كتاب معجز، وكتاب ميسر، وكتاب محفوظ، وهو كتاب الدين كله، وكتاب الزمن كله، وكتاب الإنسانية كلها. كما أن لهذا القرآن مقاصد وأهدافا يسعى إليها، ويحرص عليها، من تصحيح العقائد والتصورات، عن الألوهية والنبوة والجزاء، وتصحيح التصور عن الإنسان وكرامته ورعاية حقوقه، وخصوصا الضعفاء من بني الإنسان. كما يحرص على وصل الإنسان بربه، ليعرفه، وليعبده وحده ويتقيه في كل أموره.
وكذلك على تزكية نفسه التي إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله وكذلك يعمل على تكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع، وإنصاف المرأة، التي هي عمود الأسرة. ومن ذلك: إنشاء الأمة الصالحة التي حملها الله أمانة الشهادة على البشرية، والتي أخرجها لنفع الناس، وهداية الناس.
وبعد ذلك: الدعوة إلى عالم إنساني يتعارف ولا يتناكر، ويتسامح ولا يتعصب، ويتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
ومن حق هذا القرآن أن نحسن التعامل معه: حفظا واستظهارا، وتلاوة واستماعا، وتدبرا وتأمل. وإن نحسن التعامل معه: فهما وتفسيرا، فليس هناك أفضل من أن نفهم عن الله مراده منا. وما أنزل كتابه إلا لتدبره، وتفقه أسراره، ونستخرج لآلته، كل بقدر ما يتسع واديه.
هذا القرآن أنزله الله تعالى على عشرة أنواع من الكلام لا يخرج شيء من سوره عنها. وقد قمت بتقسيم هذا العدد إلى ثلاثة أبواب يتضمن كل باب ثلاثة فصول، وكل فصل يتضمن عددا من المباحث بحسب عدد السور كثرت أو قلت وذلك على النحو التالي:
الباب الأول: في خواتم السور المبدوءة بالثناء على الله، والنداء، والقسم.
الفصل الأول: وتحته أربعة عشر مبحثا هي عبارة عن السور المبدوءة بالثناء على الله، وهي سور: الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر، الفرقان، الملك، الإسراء، الحديد، الحشر، الصف، الجمعة، التغابن، الأعلى. (14) سورة.
الفصل الثاني: وتحته عشر مباحث وهي سور: النساء، المائدة، الحج، الأحزاب، الحجرات، الممتحنة، الطلاق، التحريم، المزمل، المدثر(10) سور.
الفصل الثالث: وتحته خمسة عشر مبحثا وهي سور: الصافات، الذاريات، الطور، النجم، المرسلات، النازعات، البروج، الطارق، الفجر، الشمس، الليل، الضحى، التين، العاديات، العصر. (15) سورة.