Abstract:
تعد هذه الدراسة ( الأسلوب الوقائي في القرآن الكريم لمنع الجريمة ) من الدراسات التي تختص بحماية وأمن المجتمع والفرد على وجه الخصوص ، وذلك في الوقت الذي انفتحت فيه الشعوب على الحضارات الغربية التي تخالف الحضارة الإسلامية في أساسيات الحياة الكريمة التي خطها الإسلام منقذا للأمة من الضلال إلى الهداية ومن الجور إلى العدل .
اعتبر الإسلام الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والمال من المصالح الضرورية التي كفلها ومنع الاعتداء عليها وحماها بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
والقرآن الكريم يعد المصدر الأول في الشريعة الإسلامية ، ومدار بحثنا حول أسلوبه في الوقاية من الجريمة استنباطا من آياته الكريمة ، ومن خلال ذلك نستدل على أن القرآن لم يترك النفس الإنسانية تدفع صاحبها للوقوع في الجرائم ، ويعاقب على فعل الجرم بل أوجد البدائل المشروعة التي تؤدي إلى التقليل من الجريمة والحد من خطورتها وعدم التفكير فيها .
فإن رجع الإنسان لكتاب الله تعالى وامتلأ قلبه بنور الإيمان به وحسن التوكل عليه ، والالتزام بالأخلاق الحميدة وقى نفسه من الوقوع في المعاصي والآثام من خلال الطرق الشرعية العامة ووسائل الالتزام بها من خلال القرآن الكريم بأساليبه المتعددة .
فالجرائم التي اتفق العلماء عليها ومدار بحثنا ، جريمة القذف،وجريمة الزنا، وجريمة السرقة،وجريمة الحرابة ، وجريمة شرب الخمر، والبغي،جريمة الردة ، وجريمة القتل .
التعزير الذي للحاكم أو من ينوب عنه دور كبير في الحد من الجرائم ،لما في تطبيقه من زجر من اجل نقاء المجتمع ، وسلامة الأفراد .فهو تأديب ولوم، وهي عقوبات غير مقدرة كالنصح والإنذار، وقد تكون بالحبس وقد تصل للقتل ، إذا كانت الجريمة تهدد الأمن العام .
وللوقاية من الوقوع في الجرائم ، كانت العبادات ( الصلاة ، الصيام ، الزكاة ،الحج ) لها أهداف متعددة يبتغي الإنسان من إقامتها وجه الله تعالى ، وما لها من دور كبير ومميز في بناء الفضائل، وتقوية الروابط التي تسهم في تربية الإنسان ، تربية روحية وأخلاقية تقيه من الجريمة.
ونظام المعاملات المالية التي تعد من الأساليب الوقائية للجريمة ، من خلال النظام المالي المباح، من بيع وإجارة ورهن وغيرها . وكذلك النظام المالي المحرم من غبن وغرر، ونجش، التي تؤدي لاستغلال الناس فحرمها الشرع للوقاية من المشاكل المؤدية للجريمة.
فالحق جلت قدرته وضع في القرآن الكريم قبل أن يحرم جريمة القذف ويعاقب عليها ، مجموعة من الأساليب تؤدي إلى صيانة اللسان من الانطلاق في أعراض الناس ، بالصدق ، وتحريم الكذب ، وإلقاء التهم جزافا ، لإصابة البريئات من نساء المؤمنين بدون أدلة قاطعة. وكذلك بالإستيثاق الشديد ممن جاء بالكلام ، ومحاربة القرآن للإشاعة الفاحشة بالتوعد لمن يقوم بذلك ،والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة .
وقبل أن يحرم الزنا وإيقاع العقوبة على الزاني ، أوجد أساليب وقائية لعدم الوقوع في الزنا، من زواج لإشباع الغريزة التي تدفعه للوقوع في الجريمة ، وكذلك الطلاق ، إذا وجد في زوجته ما ينفره منها ، ويلتجئ لإشباع غريزته بالوقوع في جريمة الزنا ، وكذلك غض البصر لأنه الدافع الأول للوقوع في جريمة الزنا.
وقبل إيقاع عقوبة القطع على السارق أوجد الإسلام من خلال آيات القران الكريم أساليب وقائية تمنع وتحجز النفس عن الوقوع في جريمة السرقة ، وإماتة نزعة حب المال في نفسه ، فهيأ مجالات عديدة للإنسان لسد حاجاته المالية ، بالحث على السعي لإيجاد فرص الرزق الحلال من العمل بجميع حالاته ، من تجارة ، وزراعة ، وصناعة ، وذلك للقضاء على البطالة والحاجة للمال .
وحث القرآن الكريم كأسلوب وقائي من جريمة السرقة ، بتأكيده على حق الفقراء في أموال الأغنياء ، وما للتكافل الاجتماعي من أسلوب وقائي عظيم في منع جريمة السرقة ، بسداد الديون، فلا جوع ولا عزوف عن الزواج ،ولا عري بتطبيق هذا الأسلوب القرآني الفريد .
والأسلوب القرآني في منع جريمة شرب الخمر ( السكر ) ،وقبل إيقاع العقوبة على الشارب اتبع القرآن أسلوب التنفير من شربها بلعن من يقترفها ، وربط الأبناء بالقدوة الصالحة ، وكذلك تنشئة الإنسان على الفضائل والآداب النبيلة ، والأسلوب التدريجي قي تحريمها ،والإقلاع عنها من الأساليب الرادعة للإنسان عن اقتراف جريمة السكر .
أما أسلوب القرآن الكريم في الوقاية من جريمة الردة ، بضرورة إشباع النفس من الإيمان بالله تعالى ، والتعلم والتفقه في الدين ، والإنصياع لما أمر به الله ورسوله والي الأمر ، وغيرها من الأساليب التي تحمي الدين ، والكيان الإسلامي من الدسائس.
وقبل أن يوقع عقوبة الحرابة ، أوجد أسلوبا للوقاية من الوقوع في جريمة الحرابة ، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعدم العودة لعادات الجاهلية ، من إفساد في الأرض وبالحث على إنفاق المال والتصدق به ، وكذلك الوعيد الشديد بالخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.
والأسلوب الوقائي في القرآن لمنع جريمة البغي ، والتي اعتبرتها مرادفا لجريمة الحرابة في البحث ، بنزع الغل من الصدور ، وإصلاح ذات البين ، والالتزام بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر ، والعدل بين الناس .
وقبل أن يحرم ويعاقب على جريمة القتل ، قرر احترام النفس الإنسانية وتكريمها بمجموعة من الأساليب الوقائية التي تحميها من الإزهاق ، وذلك بإطفاء ثورة الغضب والانتقام والتي غالبا ما تكون بالشعور بالظلم ، أو عدم التثبت والاستيقان من الخبر ، ومن الأساليب الوقائية القول اللين والهدوء والطمأنينة ، وحسن المجادلة ومخافة الله تعالى . والوعيد الشديد لمن يقترف جريمة القتل بالخلود في نار جهنم والغضب عليه من الله والطرد من رحمة الله تعالى ، والإعداد لمن يقترف جريمة القتل ، العذاب العظيم الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ، زجرا لمرتكب جريمة إزهاق الروح وسلبها .
وبعد هذه الأساليب الوقائية تكون العقوبة لمن يقترف جرما ، زجرا وردعا لغيره ، من الوقوع أو حتى التفكير بالجريمة .
وبالأسلوب قبل العقوبة يستتب الأمن ، وتتوحد دعائمه بتنفيذ شرع الله تعالى ، والالتزام بما جاء في القران من أوامرٍ ونواهٍ ، ليكثر الرجاء ويتسع الرزق وتنزل البركة من السماء .