Abstract:
تَناولتُ هذه الدِّراسة جانباً مهماً من أحكام الأُسرة المسلمة ، حَيْثُ تتحدث عن التَّفريق بين الزَّوجين للعيب في قانون الأحوال الشَّخصية في بلاد الشَّام بأُسلوبٍ وصفي استقرائي تحليلي ، حيثُ تناولتُ جانباً مهماً لا سيَّما في المشاكل الزَّوجيَّة ، وبَيَنْتُ العيوب الَّتي راعَى فيها القانون المصالح الفردية وحافظَ عليها وعَمِلَ بها ،وجاءت هذه الدِّراسة في مُقَدِمَة وتَمهيد وأَرْبَعَة فُصول وخاتِمَة .
تناول التمهيدُ العلاقةَ الزَّوجيةَ وأهميتها في بناء أُسرة ، ومن أسسها العلاقة الجنسية السَّليمة وأن الغاية من الزَّواج إيجاد النَّسل الصَّالح الذي لا يتحقق إلا بالاستمتاع بين الزَّوجين .
وتحدَّثت عن التَّفريق بين الزَّوجين للعيب ، وكانت من أهم نتائجه أن العيب نقصٌ يُفوت الاستمتاع والتَّلذُّذ لا سيَّما إن كان العيب مستحكماً ، مما يجعل للمتضرر حقٌ في طلب التَّفريق ، كما أن القانون حدد أنواعاً من العيوب وجعلها شرطاً لصحة الفسخ مما حذا بالأحناف أن اعتبروه طلاقا بائناً ، حيث أن الخيار ليس بالضَّرورة أن يكون على الفوريَّة فيمكن أن يترك فترةً من الزَّمن مع بقاء الحق فيه.
كما وأن جمهور الفقهاء اتفقوا في التَّفريق للعيوب فمنها خاص بالرَّجل وعيوب خاصة بالمرأة واختلفوا في الرِّتق والقرن ، أما البخر العفل فاتفق عليه المالكية والحنبليَّة وكان الإفضاء خاص لدى المالكية كعيب معتبر، حيث اختلفوا في تعريف العيوب والأصل واحد في ثبوت التَّفريق ،كما أن ّ الجمهور أقروا التَّفريق بالعيوب المشتركة كالجنون والجذام والبرص وخالفهم الأحناف لكنهم جعلوا عيب الخنثى عيب مشترك، كما أن للمالكية عيب مشترك وهو العذيوط ، وبهذه العيوب تستحق الزّوجة المهر ،وأن الراجح في آراء الفقهاء بإجازة التَّفريق للعيوب بشروط.
وتناولت الأمراض المنفرة والمعدية التي لم يعتبرها قانون الأحوال الشَّخصية سببا للتَّفريق للعيب بين الزَّوجين ، فكان منها الشَّلل الرُّعاشي الذي يمنع مقصد الزَّواج الأساسي بسبب ما يعانيه الفرد من حالة صعبة من التَّخشب في العضلات والانعكاسات العصبية التي تمنع من قدرته على أداء واجباته الزَّوجية والعائلية ، وكما أن الصَّدفية تحدّ بشكل كبير من استمتاع الزَّوجين ببعضهما ، حيث تنتقل للأبناء بالوراثة وتكاليف علاجها باهظة تفسد الحياة خاصة في حالات الفقر، كما أن مرض الكبد الفيروسي ( بي)( وسي ) إذا لم يكتشفا في وقت مبكرٍ يصعب علاجهما حيث ينتقلان بالعلاقات الجنسية ويؤثران على الحياة النَّفسية للزَّوجين بسبب سرعة انتقال العدوى .
أما عن التَّطبيقات التي وردت في المحاكم الشَّرعية الفلسطينية ، فكانت من أهم النتائج جواز الإدعاء أمام القضاء للتَّفريق للعيب بدعوى صحيحة مستوفاة لكل الشُّروط لتسهل الحكم بها ، وأن للقاضي صفات وشروط وآداب عليه الالتزام بها ، حيث اتضح أن ندرة القضايا المتعلقة بالعيوب في المحاكم الفلسطينية تعود للعادات والَّتقاليد الخاصة بالمجتمع الذي يستنكر على الفرد التوجه للقضاء في نوعية هذه القضايا ، كما أن للجهل بالحقوق القانونية دور كبير في ندرتها ، وأن معظم القضايا في مثل هذا النَّوع تحل خارج نطاق المحاكم أو بالتفريق مقابل الإبراء العام ، ومن أهم الأُمور المتفق عليها في استطلاع لآراء بعض القضاة في المحاكم الشَّرعية الفلسطينية أن القوانين المعمول بها في المحاكم لا بد من تحديثها لأنها لم تعالج كل العيوب بالشكل المطلوب ، كماً أن قوانين الأحوال الشَّخصية لبلاد الشَّام المتعلقة بالعيوب متشابهه لحد كبير لأن معظمها مستقاة من المذهب الحنفي.
ومِن أهمِّ التّوصيات التي تَوَصَّلَتْ إليها الدِّراسة ضرورة تحديث قوانين الأحوال الشَّخصية في بلاد الشَّام من خلال انتقاء بعض الأحكام من المذاهب الفقهية الأخرى ومراعاة لتطورات العصر مستجداتها من الأمراض ، وإثراء الموضوع بدراسات فقهية أُخرى تسعى إلى توعية الفرد بحقوقه الشَّرعية القانونية.