Abstract:
من خلال إستعراض المجتمع العام للدراسة تبين للباحث أن الإرتقاء بفن الخط العربي كان هماً إنشغل به المسلمون منذ فجر الإسلام. وظل الخطاطون يطورون ويضيفون تحت بصر الجماعة التي رفدتهم بنقدها وإستحسانها، وأرسيت قيم جمالية ومعايير إيضاحية محددة لرسم الحروف وإخراج المخطوطات. وفي النماذج الخطية الراقية التي خلفوها شاهد ودليل.
إلا أنه، وبعد إنتشار تقنية الطباعة ، وبدلاً من التعرف على خصائص الكتابة العربية والعمل على حسن توظيفها في التقنية الحديثة، والسعي للتوفيق بينهما. إتجهت الجهود نحو تغيير أسس الكتابة العربية ذات الإرث الكبير والمجرب، وإخضاعها لتقنية أوجدت أصلاً للتطبيق على كتابات غير العربية، وتختلف أساليبها عنها. فتم التخلي عن تراث الخط العربي وقيمه الوظيفية والجمالية. وأعتمد بديلاً عنه أسلوب الكتابة العربية البدائي البسيط، على ما به من عيوب ونقائص كان قد تم تجاوزها إبان عصر نهضة العلوم الإسلامية وفنونها في القرن الرابع الهجري. وكان نتاج ذلك أن نماذج الخطوط الطباعية العربية اليوم تعاني ضعفاً بائناً، وتمثل مظهراً متدنياً، أمام حروف الطباعة لكثير من اللغات. و يشكل ذلك تراجعاً ثقافياً مقابل الرقي الذي مثله الخط العربي.
وأوضحت نتائج نقد الأصول الخطية للدراسة غِني أنواع الخط العربي التقليدية المختلفة بالوحدات والعناصر التصميمية، فضلاً عن إمكانيات التوليد والإشتقاق التي طورها الخطاطون. وهو ما يصلح لأن يكون رافداً خصباً لإبتداع خطوط طباعية جديدة تسد النقص. وتلبي حاجات الإتصال الكتابي الذي يعتمد الآن الخطوط الطباعية الرقمية كلياً. كما أوضحت مقارنة الأصول بعينات الخطوط الطباعية إحتواء الأخيرة على مجموعة من العيوب التصميمية المؤدية إلى تشويه النصوص المكتوبة بها شكلاً ووظيفةً.
وقد أوردت الدراسة تأكيد عدد من الباحثين والمختصين بالخط العربي والتصميم الإيضاحي والطباعي، بأن تجويد تصميم خطوط الطباعة العربية لا يكون إلا بإستصحاب فهم جيد لأسس كتابة الحروف العربية، وتطبيق واعٍ لها.
ولتحقيق هذه الغاية، تقترح الدراسة أن تتكامل جهود المختصين في مجالات الخط والتصميم وتقنيات الطباعة والحاسوب والتربية والتعليم وغيرهم، على مستوى الدول والجماعات التي تكتب لغاتها بالحرف العربي. لإجراء الدراسات والبحوث، وعقد الورش والندوات، للخروج بتوصيات ومقترحات عملية حول أنجع الوسائل لتوظيف الإرث العريض لفن الخط العربي، عبر التدخل في تقنيات وبرمجيات تصميم وتطبيقات الخطوط الطباعية العربية، وعدم الإكتفاء بتلقيها من مصادرها الأجنبية، التي قطعاً لا تلم بأساسيات ونظم وجماليات الكتابة بحروف اللغة العربية، كما يلم بها أهلها .
من جهةٍ أخرى، يرى الباحث أن إستمرار إهمال أمر تجويد تصميم خطوط الطباعة العربية، وتركه دون ضوابط أو نظم، يعد إهمالاً لسلامة الكتابة، وهو أهم شؤون تدوين اللغة وحفظها. ولا ينحصر تهديده في تفشي نماذج كتابية معيبة وظيفياً وجمالياً فحسب. إذ أن ذيوعها والإعتياد عليها، وسط غياب الكتابات الحسنة بالخط التقليدي، سينتج تشوهاً يقود إلى قطيعةٍ ثقافيةٍ وحضارية، تحول دون تمكن الأجيال اللاحقة من تمييز وقراءة ماكتب بنماذج خطية راقية. عدا عن أنه سيقود إلى حرمان التراث الإنساني من واحدة من أغنى تجاربه.