Abstract:
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندى ، المعروف بأبي الطيب المتنبي . الشاعر الحكيم ، وأحد مفاخر الأدب العربي ، الأمثال السائرة ، والحكم البالغة ، والمعاني المبتكرة .
ولد شاعرنا في الكوفة عام 303هـ الموافق 915م ، ونشأ في الشام ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلوم العربية وأيام الناس ، قال الشعر صبياً ، وأختلفت الروايات حول إدعائه للنبوة وعلى الأرجح أنه لم يدع النبوة . وفد أبو الطيب المتنبي على سيف الدولة الحمداني صاحب حلب ومدحه وحظي عنده ، ومضى الى مصر ومدح كافور الأخشيدى ، وطلب أن يوليه ، فلم يولّه كافور فغضب وأنصرف يهجوه . ثم قصد إلى العراق فقرىء عليه ديوانه ، وزار بلاد فارس ، ورحل الى شيراز فمدح عضد الدوله ابن بويه الديلمي ، وعاد يريد بغداد فالكوفة ، فتعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه فقطعوا عليه الطريق بسبب هجائه لابن اخت فاتك الأسدي ، وكان مع المتنبي جماعة أيضاً ومنهم ابنه محمد وغلامه مفلح ، فقتلوه وابنه وغلامه عام 354هـ الموافق 966م بالقرب من دير العاقول غرب بغداد .
هكذا عاش المتنبي في القرن الرابع الهجري الذي شهد خللاً في الأنظمة والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فنجد استبداد البويهين سياسياً ، وخراب البلاد اقنصادياً وتفكك الحياة الاجتماعية ، ومع هذا فقد شهد هذا القرن تطوراً وازدهاراً فكرياً وثقافياً كبيراً ، وذلك بسبب التأثر والتأثير بما نقل من الفلسفة الاغريقية اليونانية والفارسية والتقائها بالحضارة الإسلامية ، لذلك شهدنا التقدم في جميع أنواع العلوم من الطب والرياضيات والفلك والفلسفة والفقه والحديث والتفسير ، ويعكس الأدب في هذا العصر صورة عن حياة المجتمع في أكثر أبعادها وزواياها .
في هذا الجو ظهرت أشهر حركتين نقديتين في تاريخ النقد العربي ، دارت الأولى حول أبي تمام والبحتري وكانت الثانية حول المتنبي وعنفت في نقده ، أو غالت في تمجيده ، وأغلب النقد الذي دار حول المتنبي كانت أسبابه شخصية أولاً ثم وجد الخصوم والكارهون له في شعره ما يغري بالنقد ، فهو بتعاليه وشموخه وترفعه قد أثار الضغائن ضده ، فأخذ نقاده يبحثون عن العيوب في شعره فوجدوها في استعمالات غريبة للغة ، وأخطاء في النحو واقتباس لآراء الفلاسفة اليونان ، والكشف عن السرقات ولعل التأليف في السرقات يربو على المؤلفات في أي موضوع آخر.
ومن هؤلاء الكارهين في القرن الرابع الهجري (ابن وكيع التنيسي في كتابه "المنصف",والحاتمي في رسالته الموضحة ، والصاحب بن عباد " في الكشف عن مساوىء المتنبي " وأبوالعباس النامي في رسالته "في عيوب المتنبي " ) . ومن أنصاره في هذا القرن نجد القاضي الجرجاني في كتابه " الوساطة " والعالم النحوي ابن جني فى شرح ديوان المتنبي " الفسر " .
ولا مجال للإنكار أن النقد في القرن الرابع وما بعده لم ينشغل بشىء قدر انشغاله بالمتنبي وشعره ، ولو لا إحساس النقاد بكبر الظاهرة لما وجد في نفوسهم ذلك الصدى البعيد ، لذلك نجد أن الحركة النقدية قد امتدت إلى ما بعد الرابع ، ففي القرن الخامس مثلاً نجد أنصار المتنبي الذين غالوا في تمجيده وتعظيمه كثر ومنهم (الثعالبي في" يتيمة الدهر " وأبوالعلاء المعري في " معجز أحمد " وابن فورجه في " شرح مشكلات ديوان شعر أبي الطيب " ) .
ومن خصومه الذين بالغوا في الهجوم عليه وانزاله منزلة دونيه عن غيره دون قاعدة أو أساس يعتمد عليه العميدي في " الإبانة عن سرقات المتنبي " .