Abstract:
تقدم هذه الدراسة نقدًاموضوعيًا لما افترضته النظريات الكلاسيكية للتنمية من ضرورة الانطلاق من قطاع زراعي
تقليدي، وإهمالها لنموذج التنمية الناجح الذي تبنته الإمبراطورية الإسلامية في بداياتها رغم افتقارها للقطاع الزراعي.
وتقدم الدراسة بالمقابل نموذجًا بدي ً لا أطلق عليه اسم "نموذج الهياكل المتكاملة"يمثل تجربة الإمبراطورية الإسلامية في
التنمية في غياب القطاع الزراعي التقليدي،حيث تأسست الدولة الأولى في وسط صحراء شبه الجزيرة العربية حوالي
العام 500 م، واستطاعت الدولة الإسلامية وباستخدام هذا النموذج وخلال نحو 130 عام أن تبني واحدة من أعظم
الإمبراطوريات التي شهدها التاريخ على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري . امتدت حدودها لتشمل شبه
الجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقيا، وفي وقت لاحق تمددت في الشام بعد هزيمة الدولة البيزنطية في عام 636 م
لتشمل سوريا، وفى العام 650 م تم ضم الإمبراطورية الفارسية، وبعدها بسنوات قليلة تمددت حدود الإمبراطورية
الاسلامية لتصل إلى الهند والصين وإسبانيا وأوروبا الشرقية. أبدعت الامبراطورية الاسلامية بقيادة الرسول محمد
(صلى الله عليه وسلم) في تقديم اقتصاد مفتوح يعتمد أساسًا على بناء تكتل اقتصادي على أساس من وحدة العقيدة،
يحقق تكامل الهياكل الاقتصادية المتنوعة لمختلف البلدان التي انضوت تحت لوائها،وفي ظل تنوع الموارد الاقتصادية
والمناخات وحرية التجارة، وحرية انتقال القوى العاملة ورؤوس الأموال والخبرات. وقد ثبت نجاح نموذج الهياكل
المتكاملة للتنمية في تحقيقه أعلى مؤشرات التنمية الاقتصادية والرفاه الاقتصادي وأدنى مستويات للفقر التي لم يشهد
لها مثيل في التاريخ الاقتصادي المعاصر، مما أهل الإمبراطورية الإسلامية وفي زمن قياسي لتصبح واحدة من القوى
العظمى التي سادت العالم في ذلك الزمان. لذا فقد أوصت الدراسة بضرورة سعي الدول الإسلامية إلى استعادة بناء
هذا النموذج الاقتصادي المؤهل للتكامل الهيكلي بين اقتصاداتها، مما سيعيدها سيرتها الأولى كدولة عظمى اقتصاديًا
وسياسيًا وعسكريًا، ويؤمن لها تحقيق التنمية المستدامة لشعوبها.