Abstract:
هذا البحث عبارة عن ترجمة للجزء الاول من قصة "أنا ملالا –"I am Malala حيث كان يوم الثلاثاء الموافق التاسع من أكتوبر 2012 يوماً فارقاً في حياة الفتاة الباكستانية "ملالا يوسف زاي"، حينما هاجم أحد رجال طالبان الحافلة التي كانت تقلها مع رفيقاتها من المدرسة الى المنزل، وأصيبت برصاصة اخترقت محجر عينها اليسرى وخرجت من تحت كتفها الأيسر، حيث نُكبت ملالا وأصابها الأذى لاعتقاد طالبان بعدم ذهاب البنت الى المدرسة، كما إن السبب الآخر كان مجاهرة والدها بالعداء لحركة طالبان.
كان من عادة قبائل البشتون التي تنتمي اليها ملالا أنها ترحب بالمولود إذا كان ذكراً، أما بالنسبة للمولود الأنثى فإن التعازي تقدم لوالدها. ولكن، بالنسبة لملالا، فإن والدها وقع في حبها منذ اللحظة الأولى التي رأت فيها النور وكان يفتخر بها دائماً ولكنه لم يستطع الاحتفال بها لأنه كان فقيراً ولم يستطع حتى شراء سرير جديد لها.
سميت "ملالا" تيمناً بملالاي المايواندية، البطلة الأفغانية العظيمة التي يفتخر بها شعب البشتون كثيراً، وهو شعب فخور بنفسه ويتكون من عدة قبائل منقسمة بين باكستان وأفغانستان. هناك قانون يلزمهم باستضافة الضيوف مهما كانت الظروف والأحوال، كما إن أسوأ شيء يمكن أن يحدث لهم هو أن يفقد المرء كرامته، ولديهم مثل يقول (لا قيمة لهذه الدنيا بدون شرف). بالرغم من أن قبائل البشتون دائماً ما تتناصب العداء وتقاتل بعضها البعض، إلا أنهم يتوحدون دائماً في مواجهة الغرباء الذين يحاولون غزو أراضيهم.
بالنسبة لملالا فإن منطقة "وادي سوات" التي ولدت وترعرعت فيها، كانت بالنسبة لها أجمل مكان في العالم، فالوادي هو مملكة الجبال الرائعة والشلالات المتدفقة والبحيرات البلورية الصافية، حتى إنه توجد في مدخل الوادي لافتة مكتوب عليها (مرحباً بكم في الجنة). عاشت ملالا حياة الطفولة الرائعة وهي تستمتع باللعب واللهو مع قريناتها في الوادي في جميع فصول السنة: في رياح الخريف الباردة، والثلوج تكسي المنطقة بحُلة بيضاء ناصعة، وعند حلول الربيع تتفتح زهور الكافور وتكتسي الأرض بالخضرة وتزدهر البساتين بشتى أنواع الفواكه اللذيذة. الناس في كثير من الأحايين يسمون وادي سوات باسم (سويسرا الشرق). لقد أقيم فيه أول منتجع للتزلج على الجليد في باكستان والذي يرتاده الأغنياء أيام العطلات للتمتع بالهواء والمناظر اللطيفة ومهرجانات الموسيقى والرقص.
مثل ما كان والد ملالا فخوراً بابنته، فقد كانت ملالا معجبة أيما إعجاب بوالدها مصدر فخرها. بالرغم من أنه نشأ وهو يواجه مشكلة التأتأة والتعثر في نطق الكلمات بالطريق الصحيحة، إلا أنه وبفضل مجهوده الشخصي وبمجهودات والده استطاع أن يجتاز هذه العقبة.
حدثت عدة أحداث غيرت كثيراً من وجه الحياة في وادي سوات، حيث أصبح الوادي جزءاً من باكستان عام 1969. استولى الجنرال ضياء الحق على السلطة في باكستان وقام بإعدام رئيس الوزراء المنتخب ذو الفقار على بوتو، مما أكسب باكستان سمعة سيئة على مستوى العالم، وقطعت أمريكا المساعدات عنها، مما أدى بالجنرال ضياء الحق الى إطلاق حملة أسلمة الدولة، حيث أصبحت حياة النساء أكثر تعقيداً في عهده. ثم تبع ذلك الغزو السوفيتي لأفغانستان الذي دفع بملايين الأفغان للفرار وأعطاهم الجنرال ضياء الحق حق اللجوء، كما إن سقوط شاه ايران ساعد على تدفق مليارات الدولارات من الولايات المتحدة والدول الغربية على باكستان، إضافة الى تدفق الأسلحة وأجهزة الاستخبارات وتدفق المقاتلون من عدة دول بهدف محاربة المد الشيوعي. الجدير بالذكر أن الشباب الذين انضموا الى رجال الدين في القرية باسم الاسلام لمحاربة الروس، أصبحت بعد عدة سنوات هي حركة طالبان (والتي تعني الطلبة الدينيين).
التحقت والدة ملالا بالمدرسة عندما كانت في السادسة من عمرها، وكانت الفتاة الوحيدة في صف الأولاد وهو شيء غير اعتيادي في مجتمع القرية، ولكنها وصلت الى قناعة عدم جدوى الذهاب الى المدرسة لأن المطاف سينتهي بها بالطبخ والتنظيف وتربية الأطفال مثل بقية الفتيات، فتوقفت عن الذهاب الى المدرسة. كان والد ملالا يقرأ الكثير من الكتب ويكتب القصائد ويعتقد أن عدم التعليم هو أساس كل المشاكل في باكستان. التحق بكلية "جيهانزيب" في نفس الفترة التي لقي فيها الجنرال ضياء الحق مصرعه في حادث تحطم طائرة غامض، وفازت "بنازير بوتو" في الانتخابات القومية التي أجريت وأصبحت رئيسة للوزراء، ونشطت الحركة الطلابية وتم تعيين والد ملالا أميناً عاماً لاتحاد الطلاب البشتون. استطاع والد ملالا مع أحد اصدقائه أن يفتح مدرسة بمدينة "مينجورا" ولكنها لم تستمر طويلاً لأنها واجهت أهم مشكلة وهي عدم توفر التمويل الكافي.
نشأت ملالا في عائلة فقيرة ولكنها كانت بالرغم من ذلك تذهب مع أسرتها الى قريتهم لقضاء عطلة العيد وحقائبهم محملة بالهدايا لعائلاتهم، وذلك في رحلة مضنية تستغرق حوالي خمس ساعات، في طريق يتبع نهر سوات، توجد على أطرافه مناجم الزمرد، وحقول الأرز الخضراء، ثم منطقة الينابيع والشلالات، وأخيراً الوصول الى القرية في قمة جبال "شانجلا".